دراسة اقتصادية واجتماعية لأثر تبني تقنيات الري التكميلي الحديثة في نظام إنتاج القمح في سورية

الطالب :أمجد بدر   الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية – مركز بحوث السويداء
جامعة حلب – كلية الزراعة
2010

الملخص

   تم معاينة 490 مزارعاً بطريقة المسح الحقلي في محافظات حلب، ودرعا، والحسكة تحت نظام إنتاج القمح المطبق عليه الري التكميلي والقمح البعل، بهدف دراسة مؤشرات التبني لتقنيات الري الحديثة (معدل التبني، ودرجة التبني) والعوامل المؤثرة على قرار المزارع بقبول أو رفض هذه التقنيات، إضافةً إلى دراسة أثر الري الحديث على الإنتاج، والدخل المزرعي، وعدالة توزيع الدخل بين أفراد مجتمع المزارعين منتجي القمح، كما وتناول البحث دراسة الكفاءة الإنتاجية، وكفاءة استخدام المياه في ري القمح، إضافةً إلى دوال الطلب على المياه، والعوامل المؤثرة فيها، وقد تمت المعاينة وحساب حجم العينة بطريقة المعاينة الطبقية، وتم جمع البيانات باستخدام استمارة مسح حقلي عن طريق المقابلة الشخصية للمزارعين في خمسة عشر قرية موزعة على المحافظات السابقة الذكر.
استخدمت النماذج المنطقية Logistic و Logit لدراسة تطور تبني تقنيات الري الحديثة في المجتمع، ودراسة العوامل المؤثرة على قرار المزارع في التبني على التوالي، كما استخدم اختبار التباين (F- Fisher) لمقارنة المتوسطات في بيان أثر التبني واستخدام الري التكميلي على زيادة الإنتاج والدخل المزرعي، واستخدم معامل جيني (Gini Coefficient) ومنحنى لورنز لبيان أثر التقنيات المدروسة في عدالة توزيع الدخل الناتج بين المزارعين، كما واستخدم المنهج الحدودي العشوائي (Stochastic Frontier Production Function) لدراسة الكفاءة الإنتاجية للقمح، وكفاءة استخدام مياه الري، ومن ناحية أخرى، فقد تم تطبيق نموذجين قياسيين لدراسة دوال الطلب على المياه، هما نموذج المورد الثابت القابل للتوزيع، ونموذج المورد المتغير، وتمت الدراسة على ثلاثة مستويات، هي العينة، منطقة الاستقرار الأولى والثانية، والمحافظة، واستخدم برنامجا SPSS 15 و Frontier 4.1 في تحليل البيانات.
تغطي منطقة الدراسة حوالي 66% من المساحة المزروعة قمحاً على مستوى القطر العربي السوري، ويشكل مجموع ما تنتجه من القمح نحو 61% من إجمالي الإنتاج في القطر.  يتميز التركيب المحصولي في منطقة الدراسة على مستوى العينة، ومنطقة الاستقرار، والمحافظة بسيادة المحاصيل الشتوية، تليها المحاصيل الصيفية، ثم الأشجار المثمرة، مع الملاحظة أن منطقة الدراسة في محافظة الحسكة لم تتضمن زراعة الأشجار المثمرة إلا على المستوى الفردي، ويسود محصول القمح بين المحاصيل الشتوية على المستويات السابقة، يليه المحاصيل البقولية الغذائية.
تتوفر مصادر مياه الري الجوفية في كافة المناطق المدروسة لنحو 77% من المزارعين، إضافة إلى المياه السطحية المدارة من قبل الدولة في محافظة درعا، والتي تتاح لنحو 55% من مزارعي المحافظة.
يتبع المزارعون ثلاث طرائق رئيسة في الري، الطريقة التقليدية السطحية، الري بالرذاذ، والري بالتنقيط، ويعتبر الري السطحي التقليدي هو السائد بالنسبة لمحصول القمح، وينتشر أكثر في منطقة الاستقرار الثانية، ويمثل الري بالرذاذ تقنية الري الحديثة المستخدمة في ري القمح، إضافةً إلى استخدامه في ري بعض المحاصيل الأخرى كالشعير، الشوندر، الفول، البطاطا، العدس، الحمص، وبعض الخضار، بينما يستخدم الري بالتنقيط في ري القطن وبعض محاصيل الخضار، والأشجار المثمرة.   أشارت النتائج إلى أن معدل تبني الري التكميلي لمحصول القمح بلغ 71% على مستوى العينة، وبلغ في حلب 75%، وفي درعا 89%، أما في الحسكة فانخفض حتى 39%، أما بالنسبة لمعدلات التبني لتقنيات الري الحديثة، فقد بلغ معدل التبني للري بالرذاذ 24% على مستوى العينة، و19% بالنسبة للري بالتنقيط، وبالتالي فلا زال الري السطحي التقليدي هو السائد بمعدل 57% من المزارعين، وبينت النتائج أن معدل تبني الري بالرذاذ يرتفع في منطقة الاستقرار الأولى، بينما يرتفع بالنسبة للري بالتنقيط في المنطقة الثانية، وتتميز محافظة حلب بارتفاع معدل التبني للري بالرذاذ، بينما تتميز محافظة درعا بارتفاع معدل تبني الري بالتنقيط، في حين تنخفض معدلات تبني الري الحديث في محافظة الحسكة.
من ناحية أخرى، فقد ارتفعت درجة التبني للري بالرذاذ في زراعة محصول البطاطا وبلغت 88% من المساحة المزروعة، يليها محصول الشوندر والذي يُطبق الري بالرذاذ على 48% من مساحاته المزروعة، في حين بلغت درجة التبني في محصول القمح فقط 29%، أما بالنسبة للري بالتنقيط فقد بلغت أقصاها بالنسبة لمحصول البندورة (87%) و75% بالنسبة لكل من الباذنجان والخيار، و 59% للفليفلة، وانخفضت هذه الدرجة بالنسبة لمحصول القطن وبلغت 14%، أما المحاصيل الأخرى من الخضار والشوندر فتراوحت بين 2% و 8%، وترتفع درجة التبني للري بالتنقيط في منطقة الاستقرار الثانية، بينما ترتفع بالنسبة للري بالرذاذ في المنطقة الأولى، أما على مستوى المحافظة فترتفع درجة التبني للري بالرذاذ في محافظة حلب لمحاصيل البطاطا، القمح، والشوندر بالترتيب، أما بالنسبة لدرجة التبني للري بالتنقيط فترتفع في محافظة درعا ولمحاصيل البندورة، الخيار، الباذنجان، والفليفلة بالترتيب.
يؤثر نوع المحصول المزروع في سرعة اتخاذ المزارع لقرار التبني لتقنية الري، حيث يلاحظ أن مزارعي القطن هم أسرع في تبني الري بالتنقيط مقارنةً بمزارعي الخضار، وبالتالي يمكن ملاحظة أن تبني الري بالتنقيط يحدث بوتيرة أسرع بين مزارعي القطن، وبالمثل تنتقل تقنية الري بالرذاذ بشكل أسرع بين مزارعي الشوندر مقارنة بمزارعي القمح والبطاطا، وعموماً، تبين النتائج أن تبني الري بالتنقيط يحدث بشكل أسرع بين المزارعين مقارنةً بالتبني للري بالرذاذ، ويعتبر المزارعون في محافظة حلب مبكرين أكثر من مزارعي درعا والحسكة في تبنيهم لكلا تقنيتي الري الرذاذ والتنقيط، أما على مستوى منطقة الاستقرار، فأشارت النتائج إلى أن نسبة المبكرين في التبني كانت أكثر في منطقة الاستقرار الأولى مقارنةً بالثانية، وكان المزارعون عموماً على مستوى العينة مبكرين أكثر في تبني الري بالرذاذ مقارنة بالري بالتنقيط.  بين النموذج Logit أن أهم العوامل المؤثرة على قرار المزارع لتبني الري بالرذاذ لري محصول القمح، وتبني الري بالتنقيط لري محصول القطن، هي مساحة المحصول وسعره، سعر الوقود المستخدم في ضخ المياه الجوفية، نوعية مياه الري، المستوى التعليمي للمزارع، موقف المزارع من التقبل للتغيير أو للجديد، وتكلفة التقنية، وبين هذا النموذج أن العوامل المؤثرة في تبني الري بالتنقيط لري محاصيل الخضار هي مساحة المحصول وسعره، سعر الوقود، الخبرة في الزراعة، النظام الزراعي، مصدر المياه، المستوى التعليمي، وتكلفة التقنية، وقد بينت النتائج أن ارتفاع تكاليف الوقود، وسعر المحصول يدفعان المزارع لتبني التقنيات الحديثة في الري، إضافة إلى ارتفاع المستوى التعليمي، واستعداد المزارع لتقبل الجديد، ومدى عذوبة المياه، بينما يؤثر ارتفاع تكلفة التقنية سلباً على التبني، كما أن مصادر المياه الحكومية تشجع المزارع على تبني الري بالتنقيط.
أشار نموذج المنهج الحدودي للدالة الإنتاجية (Frontier) إلى أنه هناك عدة عوامل تؤثر في مستوى الكفاءة الإنتاجية لمحصول القمح، وتضم هذه العوامل نوع القمح طرياً أو قاسياً، استخدام طريقة الري المتبعة أتقليدية كانت أم حديثة، استخدام نظام الري التكميلي، المستوى التعليمي للمزارع، موعد الزراعة، كما أظهر النموذج أن المزارعين الأصغر سناً يحققون مستوى أعلى من الكفاءة الإنتاجية مقارنةً بالمزارعين المتقدمين في السن، وقد بلغ متوسط الكفاءة الإنتاجية للقمح حوالي 82% على مستوى العينة، أما على مستوى المحافظة فقد بلغت 86%، 78%، و89% في حلب، درعا، والحسكة على التوالي، وكانت في منطقة الاستقرار الأولى أكثر من 83%، وفي المنطقة الثانية حوالي 80%، وبالتالي فإن الإمكانية تتوفر لزيادة مستوى الكفاءة الإنتاجية عن طريق معالجة الأسباب التي تؤدي إلى تدنيها.  أظهر النموذج (Frontier) أن كفاءة استخدام المياه المستخدمة في ري محصول القمح تتأثر بعدة عوامل، حيث تزيد تقنية الري بالرذاذ من كفاءة استخدام المياه، ويزيدها كذلك استخدام مصادر الري الحكومية، على مستوى العينة، كما تساهم الزراعة الآلية في زيادة كفاءة استخدام المياه، أما التبكير في الزراعة فيخفض من مستوى هذه الكفاءة، وقد تم تقدير متوسط كفاءة استخدام المياه في ري القمح على مستوى العينة حوالي 71%، وفي منطقة الاستقرار الأولى 88%، وفي الثانية 69%، مما يشير إلى توفر الإمكانية لتحسين هذه الكفاءة عن طريق تطوير إدارة العوامل السابقة الذكر والتي تؤدي إلى خفض مستوى كفاءة استخدام مياه الري اللازمة لإنتاج القمح.
يؤدي استخدام نظام الري التكميلي إلى زيادة إنتاج وحدة المساحة من القمح، حيث بلغ متوسط إنتاج الهكتار الواحد تحت هذا النظام حوالي 5062 كغ، بينما بلغ في الزراعة البعلية حوالي 2689 كغ، وترتفع الإنتاجية لدى تطبيق الري بالرذاذ إلى 5339 كغ/ هـ، في حين لا تتجاوز حوالي 4896 كغ/ هـ، لدى استخدام الري السطحي التقليدي، وقد بينت قيم معامل التباين في كلا النظامين الزراعيين البعلي والمروي، وتحت نظامي الري بالرذاذ والري التقليدي، أن الإنتاجية كانت أكثر استقراراً لدى تطبيق الري التكميلي من جهة، ولدى تطبيق الري بالرذاذ من جهة أخرى والذي باستخدامه يحقق الاستقرار الأفضل للإنتاجية، وذلك على مستوى العينة، والمحافظة، ومنطقة الاستقرار.
ترتفع تكاليف الري بالرذاذ مقارنة بتكاليف الري السطحي، إلا أن الأهمية النسبية لتكاليف الري بالرذاذ تنخفض مقارنة بأهميتها من إجمالي تكاليف الإنتاج على مستوى العينة، ومنطقة الاستقرار، والمحافظة باستثناء محافظة حلب التي ارتفعت فيها الأهمية النسبية لتكاليف الري بالرذاذ وبفارق لا يتجاوز 1%، إلا أن متوسط الدخل الصافي المتولد من إنتاج وحدة المساحة من القمح تحت نظام الري بالرذاذ كان أكبر مقارنة بمتوسط الدخل الناتج تحت نظام الري التقليدي وبفروق معنوية، ومن ناحية أخرى، لا يتوقف أثر تبني الري بالرذاذ على كمية الدخل الصافي الناتجة، ولكن على توزيعها بين أفراد المجتمع المتبني لهذه التقنية، حيث أشارت النتائج من خلال المقارنات المنفذة بين كلا النظامين، الرذاذي والتقليدي، إلى أن تبني الري بالرذاذ ونتيجة لعامل استقرار الإنتاج والأسعار التي يحصل عليها المزارعون يؤدي نسبياً إلى التماثل أكثر في توزيع الدخل الناتج بين المزارعين، وذلك من خلال القيم المحسوبة لمعامل جيني (Gini Coefficient) وباستخدام منحنى لورنز، والذي بيّن أن توزع الدخل كان أكثر عدالةً مقارنةً بالدخل الناتج عن استخدام الطريقة التقليدية في الري.
أشارت النتائج إلى أن نموذج المورد الثابت القابل للتوزيع أبدى تمثيلاً أفضل للطلب على مياه الري مقارنة بنموذج المورد المتغير في جميع المحافظات، وبين الأثر التنافسي للمحاصيل على موارد الماء في نظام الإنتاج المتعدد.